أنا والقصيد (من تفعيلة الكامل)
-------------------------- سيد أبو الوفا الشافعي
منذ الصِّبا راودتُ عن نفسِ القصيدِ وكمْ
وقفت ببابهِ متودِّدًًا مِلْحاحا
كمْ كمْ طرقتُ وإنَّها ليست يدي
قلبي الذي بالبابِ في دقٍّ يودُّ سماحا
أنا إنْ حملتُ قصيدتي بين الضلوعِ
وإن ولِجْتُ اليوم ما كان الولوجُ سفاحا
فلكم غزلتُ تودُّداتي للحروف
لحونَ نبضِ القلبِ أفراحًا وأتْراحا
وكـــــــــــــــــــــــــــــــــــمْ
غازلتها علّي أُظفَّر بالقبولِ من الحسانِ براحا
مهما عدَدْتُ مراوداتي والمغازلةَ التي
كررتها أو ربَّما أهملتها
فبكلِّ عدٍّ ما لقيتُ نجاحا
ولكمْ سعيتُ لأمتطي
خيل الخيالِ متى يمُدُّ جناحا
كي ما أحلِّقَ في فضاءاتِ المجازِ
وأغزوَ الساحَ الفِساحَ
من المعاني الشُّمِّ ساحًا ساحا
علّي أُغَشَّى بالجمالِ يلُفُّني
ثوب الجلالِ وإنْ غزوتُ جماحا
وتقولُ لي تلك الحسانُ ودونما
خوف الملامة أو تُقدِّمُ للمقالِ العذرا
الآن هيْتَ وكلمَّا لبيتُ لا
وِزْرًا أصبتُ ولا أصابتْ وِزرا
ولكمْ نفختُ الروح من روحي
بذاك الأمرِ ما يومًا مللتُ الأمرَا
ما مرَّةً صرختْ أعوذ بعزَّةِ الرحمنِ منكَ وإنَّما
همستْ: أنا كم مسَّني من مسَّني
لكنَّني سأظلُّ دومًا بِكْرَا
يا أيُّها الرجلُ المسافرُ في دمي
خذْ من دمي المَوَّار واسقِ العاشقينَ الخمرَا
خذْ من ضلوعي ما تشاءُ تكنْ عصًا
واضربْ بها بحرَ الحروفِ تُحيلُها
طَوْدينِ فاجعلْ واحدًا فنًّا وآخرَ سحرَا
من بعدِ ذا لا لن تخافَ بِوصْلِنا دَرَكًا ولا تخشى
فلا يا شمس عمري لا تروحي
للغروبِ اليوم وابقِ العصرَا
استبقِهِ ما اسطعتِ إنّي قد أضعتُ الظُّهرَا
من فجرهِ أحببتها والغِرُّ حتمًا ليس يُحسنُ وصْلا
ولكم شُغِلتُ عنِ الحبيبةِ إنَّني
واللهِ ما يومًا قصدتُ الشُّغلا
لكنَّهُ فعلُ الحياةِ بأهلها وسهامها
ترمي سويداءَ الوصالِ وكم تسنُّ النَّصلا
فلتعذريني يا حبيبةُ واصفحي
ولتهجري لمَ للعتابِ وهاتها هلَّأ غدًا فلعلَّا
بل قد عزمت بأن تكوني رجع نبض القلبِ
والأصداءَ للأنفاسِ ذا وعدي ولن أتخلَّى
أهواكِ يا لحن الحياةِ ونبضها
يا حسن عنقودٍ دنا فتدلى
يا كلَّ حسنٍ بالجمالِ رمى الرياضَ
فكل روضٍ بالجمالِ تحلَّى
يا صُحبةَ الأزهارِ إذ ثارتْ
وسال المسكُ والأملُ البعيدُ تجلَّى
يا فرحةَ الأحرارِ يوم النصرِ
والظلمُ البغيضُ تولَّى
أنتِ العزاءُ إذا الفؤادُ بحزنهِ
محضَ العزاءِ تمنَّى
طابَ اللقاءُ حبيبتي لا لنْ
ينالَ البعدُ بعدَ اليومِ يومًا منَّا
يا خيلَ شعري كم ركضتِ وما
أراكِ سوى اتَّبعتِ الظنَّا
هل باليقينِ سألتقي بعد اللقا
بحبيبتي وأراهُ لي يتدنَّى
يا خيلَ شعري ها هنا
حطَّي جناحكِ لحظةً نتأنَّى
بعد اللقا بحبيبتي لي
نهرُ فنٍّ هاهنا. أوَ لا تريدي الفنَّا
لي نهرُ سحرٍ فلنخضْ مهَلًا غمارَ عُبابه
وعلى خريرِ مياهه نتغنَّى
خيلَ الخيالِ اليوم حُقَّ لنا نطيرَ
كما انطلاقاتِ الصَّواريخ التي
سبقت مرور الصوت أضعافًا ولا نتجنَّى
بل نرسل الأفكر والأشعار عبر أثيرنا
كالبثِّ يرسله الهوا في التوِّ إنْ
ألفى الفؤادُ السعدَ أو إنْ أنَّا
عفوًا إلهي إنْ رجوتُ الحسنَ في
بعض القصيدِ من الكتابِ فلا أرى
في غيرِ آيكَ حسنا
**
والشعرُ عندي بلسمٌ للمتعبينَ
الكادحينَ على العنا والقهرِ ما
نزعوا لهُ ثوبًا يمدُّ الكفَّا
الشعر للضعفاءِ عندي قوةٌ
تسري بهم روحًا تهدُّ الضَّعفَا
وسنابلٌ للبائسينَ اليائسينَ تمُدُّهم
أملَ الحياةِ الأوفى
أنا لمْ أخُضْ بالشِّعرِ ميدانَ الخنَا كلا
ولا منْ غِمدِ فاتنةٍ يهيمُ بها وسلَّ السَّيفَا
ووقَفْتُهُ للحقِّ ما يومًا تملَّقَ مُتْرفًا
أو كان للمُتكبرينَ الزُّلفى
لمْ أحْنِهِ يومًا ولا رأسي بهِ أحنيتُها
مهما طغى الطَّاغي وَسامَ العسْفَا
كلُّ الطُّغاةِ أصبْتُهم كلُّ العتاةِ رشقْتُهُم
منْ مِدْفعي صَوْبًا قذفتُ الحرفَا
************** سيد أبو الوفا الشافعي